في تطور علمي لافت يربط بين التكنولوجيا الحديثة والطب، أظهرت دراسة حديثة نُشرت في مجلة لانسيت ديجيتال هيلث أن الذكاء الاصطناعي أصبح قادرًا على تحليل صورة سيلفي واحدة فقط لتقدير العمر البيولوجي للفرد، وهو عمر لا يعكس تاريخ الميلاد الحقيقي، بل يعكس حالة الخلايا والأنسجة في الجسم. هذا التقدم العلمي يفتح آفاقًا جديدة في دعم الأطباء لاتخاذ قرارات علاجية دقيقة، خاصة فيما يتعلق بمرضى السرطان.
![]() |
الذكاء الاصطناعي يكشف عمرك البيولوجي من صورة سيلفي ويساعد في علاج السرطان |
ما هو العمر البيولوجي؟
العمر البيولوجي هو تقدير لصحة الجسم الفعلية بناءً على عوامل بيولوجية مثل وظيفة الأعضاء، مرونة الجلد، الكتلة العضلية، وجود الأمراض المزمنة وغيرها، وهو يختلف عن العمر الزمني الذي يُحسب من تاريخ الميلاد. بفضل الذكاء الاصطناعي، أصبح بالإمكان الآن معرفة هذا العمر بطريقة غير غازية، فقط من خلال صورة للوجه.
كيف يعمل النظام الجديد؟
النموذج الذي استخدمه الباحثون في الدراسة يُعرف باسم "فايس إيدج" (FaceAge). يقوم هذا النظام المتطور بتحليل التغيرات الدقيقة في تعبيرات وعضلات الوجه، والتي قد لا تكون مرئية للعين البشرية، لكنه يتمكن من رصدها بدقة عالية. على عكس الطرق التقليدية التي تعتمد على مظهر التجاعيد أو لون الشعر، فإن هذا النموذج يركز على المؤشرات البيولوجية الدقيقة التي تعكس تدهور وظائف الجسم بشكل عام.
نتائج مذهلة بين مرضى السرطان والأشخاص الأصحاء
أحد أهم ما كشفته الدراسة هو أن مرضى السرطان يميلون لأن يكونوا أكبر بيولوجيًا بخمس سنوات مقارنة بالأشخاص الأصحاء من نفس العمر الزمني. وهذا الفارق في العمر البيولوجي يعطي للأطباء مؤشرًا على مدى تدهور صحة المريض، مما يساعدهم في تقدير قدرة الجسم على تحمل العلاجات القاسية مثل العلاج الكيميائي أو الإشعاعي. فإذا أظهر تحليل الذكاء الاصطناعي أن المريض أكبر من عمره الزمني بسنوات عدة، قد يتم تعديل الخطة العلاجية لتكون أكثر ملاءمة لحالته الجسدية الحقيقية.
خطوة مهمة نحو "الطب الدقيق"
هذا التقدم التكنولوجي يأتي ضمن توجه عالمي يُعرف باسم "الطب الدقيق" أو Precision Medicine، وهو مجال حديث يهدف إلى تخصيص العلاج بناءً على الصفات البيولوجية الدقيقة لكل مريض، وليس فقط على أساس التشخيص العام. ومن خلال أدوات مثل "فايس إيدج"، يمكن أن يصبح تحديد خطة العلاج أكثر دقة، مما يقلل من المخاطر ويزيد من فرص النجاح.
استخدامات مستقبلية واعدة
إلى جانب السرطان، يمكن أن يكون لهذه التقنية استخدامات أخرى في مختلف مجالات الطب، مثل تشخيص الأمراض المزمنة في مراحلها المبكرة، أو حتى التنبؤ بمعدلات التدهور المرتبط بالتقدم في العمر. وقد تساعد هذه التقنية كذلك في تقييم تأثير نمط الحياة مثل النظام الغذائي والرياضة على الصحة البيولوجية للفرد، مما يجعلها أداة قيمة في برامج الوقاية الصحية.
الذكاء الاصطناعي والخصوصية
رغم الفوائد الكبيرة لهذا الابتكار، تثير مثل هذه التطبيقات تساؤلات حول الخصوصية وحماية البيانات الشخصية، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بصور الوجه. ولهذا، يؤكد الباحثون أن استخدام هذه التقنيات في المستقبل يجب أن يكون مصحوبًا بإطار تشريعي واضح لحماية خصوصية المستخدمين وضمان عدم إساءة استخدام البيانات.
ختامًا
لا شك أن ما توصل إليه فريق الباحثين في هذه الدراسة يمثل نقلة نوعية في طريقة فهم الأطباء لحالة المرضى الصحية. الذكاء الاصطناعي لم يعد أداة للمساعدة فقط، بل أصبح شريكًا حقيقيًا في اتخاذ القرارات الطبية الحاسمة، لا سيما في حالات خطيرة ومعقدة مثل علاج السرطان. وبفضل تقنية تقدير العمر البيولوجي من السيلفي، قد نكون أمام مرحلة جديدة من الرعاية الصحية التي تُصمم لكل شخص على حدة، بدقة وسرعة غير مسبوقة.