يشهد قطاع البناء والتشييد في المملكة العربية السعودية حالة من التغيرات السعرية الملحوظة خلال الأشهر الأخيرة، حيث أظهرت تقارير رسمية صادرة عن الهيئة العامة للإحصاء انخفاض أسعار الأسمنت في يوليو الماضي على أساس شهري، في مقابل تباين أسعار الخرسانة بمختلف أنواعها. هذه التحركات السعرية تأتي في وقت يُعتبر فيه قطاع التشييد والبناء من أهم القطاعات الحيوية الداعمة لرؤية السعودية 2030، نظرًا لارتباطه الوثيق بالمشروعات السكنية، والبنية التحتية، والمشاريع الكبرى التي يجري تنفيذها في مختلف مناطق المملكة.
![]() |
انخفاض أسعار الأسمنت في السعودية وتباين الخرسانة خلال يولي |
تراجع أسعار الأسمنت الأسود والأبيض
بحسب النشرة الرسمية لهيئة الإحصاء، انخفض متوسط سعر الأسمنت الأسود بنسبة 1.3% خلال يوليو الماضي، ليصل إلى 15.6 ريال للكيس وزن 50 كجم، وهو تراجع طفيف لكنه يعكس حركة تصحيحية في السوق بعد فترات من الاستقرار. ويُعتبر الأسمنت الأسود الأكثر استخدامًا في أعمال البناء الأساسية مثل الأعمدة والأسقف والجدران، ما يجعل أي تغيير في سعره مؤثرًا بشكل مباشر على تكاليف المشاريع.
أما الأسمنت الأبيض، الذي يُستخدم عادة في التشطيبات النهائية والديكورات المعمارية، فقد سجل تراجعًا بنسبة 0.6%، ليستقر عند 38.2 ريال للكيس وزن 50 كجم. ويُنظر للأسمنت الأبيض باعتباره منتجًا ذا تكلفة أعلى من الأسود، لذلك فإن انخفاضه يُعد خبرًا إيجابيًا بالنسبة للمطورين والمقاولين الراغبين في خفض النفقات مع الحفاظ على جودة التشطيب.
تباين أسعار الخرسانة
في المقابل، شهدت أسعار الخرسانة الجاهزة تباينًا في يوليو، حيث ارتفع بعضها وتراجع البعض الآخر. فقد سجل سعر الخرسانة مقاوم 350 ك نحو 230.2 ريال للمتر المكعب بزيادة 0.2%، في حين انخفضت الخرسانة مقاوم 250 ك بنسبة 0.1% إلى 209.2 ريال.
كما ارتفع سعر الخرسانة العادية 350 ك بنسبة 0.3% ليسجل 220.3 ريال، بينما تراجع سعر الخرسانة العادية 250 ك إلى 200.6 ريال بانخفاض 0.1%. هذا التباين يعكس ديناميكية السوق وتعدد العوامل المؤثرة على الأسعار مثل تكاليف المواد الخام، وأجور النقل، ومستويات الطلب في السوق المحلي.
أسعار الرمل والبلوك والمواد المساعدة
لم تقتصر التغيرات السعرية على الأسمنت والخرسانة فقط، بل شملت أيضًا المواد الأساسية الأخرى الداخلة في أعمال البناء:
الرمل الناعم الأبيض ارتفع بنسبة 1% ليسجل 77.3 ريال للمتر المكعب.
الرمل الأحمر قفز بنسبة 2.5% ليصل إلى 38.8 ريال.
بينما انخفض سعر المخلوط (رمل وبحص) بنسبة 0.1% إلى 52.4 ريال.
وفيما يتعلق بالبلوك الأسود:
سجل مقاس 15 سم انخفاضًا بنسبة 0.3% ليصل إلى 1704.4 ريال لكل 1000 حبة.
أما مقاس 20 سم فانخفض بنسبة 0.2% إلى 1755.7 ريال لكل 1000 حبة.
كما شهد بلاط كسر الرخام البلدي ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0.4% ليستقر عند 23.7 ريال للمتر المربع، وهو ما قد يرفع جزئيًا من تكاليف أعمال التشطيبات الخارجية.
لماذا تنخفض أسعار الأسمنت؟
يمكن تفسير تراجع أسعار الأسمنت بعدة عوامل، من أبرزها:
- تراجع الطلب الموسمي: إذ عادةً ما يتراجع النشاط الإنشائي في شهور الصيف بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ما يؤدي إلى انخفاض الاستهلاك.
- زيادة الطاقة الإنتاجية: المملكة تمتلك عددًا من مصانع الأسمنت ذات طاقات إنتاجية عالية، وأي زيادة في المعروض تقابلها مرونة في الأسعار.
- التنافس بين الشركات: السوق المحلي يشهد منافسة قوية بين المصانع المنتشرة في مختلف المناطق، الأمر الذي يضغط على الأسعار.
- تغير أسعار المواد الخام عالميًا: مثل الوقود والفحم البترولي المستخدم في تشغيل المصانع، والتي تؤثر على التكلفة النهائية.
انعكاسات تباين أسعار الخرسانة
- على الجانب الآخر، يُعتبر تباين أسعار الخرسانة طبيعيًا نظرًا لأنها منتج معقد يتأثر بعوامل متعددة، منها:
- نوعية الأسمنت المستخدم في الخلطات.
- تكاليف النقل من محطات الخلط إلى مواقع المشاريع.
- مستوى الطلب من شركات المقاولات، خاصة مع تنوع المشروعات بين السكنية والتجارية والبنية التحتية.
هذا التباين قد يُشكل تحديًا للمقاولين الذين يُبرمون عقودًا طويلة الأمد بأسعار محددة، حيث يتعين عليهم التكيف مع أي تغيّر في أسعار المواد خلال فترة تنفيذ المشاريع.
قطاع البناء في السعودية ودوره في رؤية 2030
يجدر بالذكر أن قطاع التشييد في السعودية يُعد أحد أعمدة رؤية 2030، حيث يشهد تنفيذ مشاريع كبرى مثل نيوم، البحر الأحمر، والقدية، إضافة إلى مئات المشاريع السكنية التي تشرف عليها وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان. هذه المشاريع تُولّد طلبًا ضخمًا على الأسمنت، الخرسانة، الحديد، والمواد الأخرى، ما يجعل متابعة مؤشر الأسعار أمرًا أساسيًا للمستثمرين والمطورين العقاريين.
ورغم التراجع الطفيف في أسعار الأسمنت خلال يوليو، إلا أن التوقعات تشير إلى إمكانية عودة الأسعار للارتفاع مع دخول الربع الأخير من العام، حيث ترتفع وتيرة العمل في المشاريع بعد انتهاء موسم الصيف.
نظرة مستقبلية لأسعار مواد البناء
- من المرجح أن تشهد الأسعار تقلبات محدودة مرتبطة بالعرض والطلب.
- قد تستمر أسعار الخرسانة في التباين نظرًا لاختلاف مواصفات الخلطات.
- أسعار الرمل والبلوك مرشحة للثبات مع زيادات طفيفة نتيجة تكاليف النقل والعمالة.
- أما الأسمنت فقد يبقى ضمن نطاق سعري متوازن، خاصة مع السياسات الحكومية التي تضمن استقرار السوق.
الخلاصة
يُظهر التقرير الشهري لهيئة الإحصاء أن أسعار مواد البناء في السعودية – وخاصة الأسمنت والخرسانة – تمر بمرحلة من التذبذب الطبيعي الذي يعكس ديناميكية السوق المحلي وتوازناته. وبينما يشهد الأسمنت تراجعًا في أسعاره، تتباين أسعار الخرسانة بحسب نوعها، ما يعكس تعدد العوامل المؤثرة.
بالنسبة للمستهلك النهائي والمطور العقاري، فإن هذه التحركات تُعد فرصة لإعادة تقييم التكاليف، والتخطيط بشكل أفضل للمشاريع المستقبلية. أما على المستوى الاقتصادي الكلي، فإن استقرار أسعار مواد البناء يظل عنصرًا مهمًا في دعم استدامة المشاريع الكبرى التي تُشكّل ركيزة في مسيرة التنمية ورؤية المملكة 2030.
في النهاية، يبقى القطاع العقاري وقطاع البناء من أهم محركات الاقتصاد السعودي، وأي تغير في أسعار مواده الأساسية – كالأسمنت والخرسانة – ستكون له انعكاسات مباشرة على السوق العقارية ومعدلات النمو الاقتصادي في المملكة.