في لحظة تاريخية لم يشهدها العالم من قبل، اجتمع المصريون حول حدث فريد يلامس وجدانهم ويعيدهم إلى جذورهم الممتدة في عمق التاريخ، وهو افتتاح المتحف المصري الكبير. لم يقتصر الاحتفال على قاعات المتحف أو شوارع القاهرة، بل امتد ليغزو شاشات الهواتف، وصفحات التواصل الاجتماعي، في موكب رقمي عالمي عبّر فيه المصريون عن فخرهم بحضارتهم بطريقة جديدة تجمع بين الأصالة والتكنولوجيا.
من القاهرة إلى الإسكندرية، ومن أسوان إلى الجيزة، كان المشهد واحدًا: حالة من الفخر، والحماس، والانتماء، جسدها ملايين المصريين الذين احتفلوا بطريقتهم الخاصة، سواء أمام المتحف أو من خلف شاشات هواتفهم، ليصبح الافتتاح حدثًا واقعيًا وافتراضيًا في آنٍ واحد.
![]() |
| المتحف المصري الكبير |
الاحتفال الافتراضي: المصريون يعيدون إحياء ملامح أجدادهم
بمجرد إعلان موعد افتتاح المتحف المصري الكبير، امتلأت منصات التواصل الاجتماعي بصور لوجوه مصرية مألوفة ترتدي التيجان الذهبية، وتحمل رموز الحضارة القديمة مثل زهرة اللوتس وصلجان الفرعون.
هذه الصور لم تكن جزءًا من حملة دعائية رسمية، بل كانت نتاج حماس شعبي، حيث استخدم المصريون تطبيقات الذكاء الاصطناعي لإعادة تخيّل أنفسهم في هيئة ملوك وملكات الفراعنة، وكأنهم يشاركون أجدادهم هذا الحدث التاريخي العظيم.
تحولت صفحات الفيسبوك وإنستجرام وتيك توك إلى معرض مفتوح يعجّ بصور المصريين في أزياء فرعونية مبهرة، وبتعليقات مليئة بالفخر والبهجة. أحد المستخدمين كتب: "شعور غريب وجميل لما تشوف نفسك فرعوني... كأنك بتتواصل مع أجدادك فعلاً".
في المقابل، اعتبر آخرون هذا التفاعل «موكبًا رقمياً موازيًا» يسير جنبًا إلى جنب مع موكب الافتتاح الحقيقي في الجيزة، حيث لم يعد الاحتفال مقتصرًا على النخبة أو الحضور الرسمي، بل شارك فيه كل مصري بطريقته الخاصة.
التكنولوجيا تعيد المصريين إلى الجذور
لم تكن فكرة الاحتفال الرقمي مجرد صدفة، بل انعكاسًا طبيعيًا لتطور المجتمع المصري وقدرته على دمج التكنولوجيا بالهوية الوطنية. فقد أصبحت تطبيقات تحويل الصور إلى شخصيات فرعونية واحدة من أكثر الاتجاهات تداولًا على الإنترنت خلال الأسبوع السابق للافتتاح، حتى تصدّر وسم #المتحف_المصري_الكبير و**#أنا_فرعوني** قوائم الترند في مصر والوطن العربي.
ولم تتوقف المشاركة عند الأفراد، بل انضمت مؤسسات وشركات محلية للمبادرة، إذ أطلقت بعض العلامات التجارية حملات تسويقية مستوحاة من الطابع الفرعوني احتفالًا بالافتتاح.
كما شاركت شخصيات عامة ومشاهير في الموكب الرقمي، من بينهم فنانون وإعلاميون ومبدعون نشروا صورهم في هيئات ملوك مصر القديمة، مع تعليقات تؤكد فخرهم بانتمائهم لهذه الأرض التي أنجبت أعظم حضارة عرفها التاريخ.
القاهرة تتزين في يوم الافتتاح
في قلب العاصمة، لم يختلف المشهد كثيرًا عن العالم الافتراضي، إذ شهدت شوارع القاهرة ومحيط المتحف المصري الكبير مظاهر احتفالية تلقائية. فقد خرج العشرات من العائلات والشباب إلى الشوارع مرتدين أزياء مستوحاة من الفراعنة، بينما رفع البعض أعلام مصر والتقطوا الصور أمام بوابات المتحف المضيئة.
وفي محيط الأهرامات، تحوّل الافتتاح إلى ما يشبه عرسًا شعبيًا، تخللته الأغاني الوطنية، والزغاريد، والرقصات الشعبية. بعض الزوار الأجانب الذين تواجدوا في المنطقة انبهروا بمشهد المصريين وهم يحتفلون بحضارتهم بكل هذا الحماس، حتى وصف أحدهم المشهد بقوله: "لم أرَ شعبًا يحتفل بماضيه بهذه العاطفة والفرح... المصريون يعيشون تاريخهم وكأنه حاضرهم."
رمزية الموكب الرقمي: من المومياوات إلى التكنولوجيا
ما جعل الاحتفال مختلفًا هذه المرة هو انتقال رمزية الموكب من العالم الواقعي إلى العالم الرقمي.
فبعد أن أبهرت مصر العالم عام 2021 بـ موكب المومياوات الملكية الذي نقل الملوك من المتحف القديم إلى متحف الحضارة، ها هي اليوم تقدم موكبًا رقميًا جديدًا، لا يُنقل فيه ملوك الماضي، بل ينبع من قلوب المصريين أنفسهم.
هذا التحول من الاحتفال في الشوارع إلى المشاركة عبر الإنترنت يعكس مدى تطور أدوات التعبير الشعبي، إذ أصبح المصريون قادرين على استخدام التكنولوجيا ليس فقط للتسلية، بل للتعبير عن الانتماء والهوية الثقافية.
![]() |
| المتحف المصري الكبير |
تفاعل عالمي ورسائل فخر مصرية
لم يقتصر الموكب الرقمي على المصريين داخل البلاد، بل امتد إلى الجاليات المصرية في الخارج.
من دبي إلى لندن، ومن باريس إلى نيويورك، شارك آلاف المصريين في نشر صورهم بالزي الفرعوني، معبرين عن فخرهم ببلدهم الأم وبالحدث الذي أعاد اسم مصر إلى الصدارة الثقافية والإعلامية العالمية.
الصفحات الإخبارية العالمية مثل BBC وCNN وNational Geographic تناولت الحدث من زاوية مختلفة، حيث ركزت على تفاعل المصريين الشعبي عبر الإنترنت بوصفه "أحدث أشكال الاحتفاء بالتراث في العصر الرقمي".
أما داخل مصر، فقد أطلقت صفحات محلية مبادرات تحت عناوين مثل: «صورتك فرعونية؟ شاركنا فخرك» - «من أجدادنا لينا.. المتحف المصري الكبير بداية جديدة»
هذه المبادرات شجعت ملايين المستخدمين على المشاركة، لتتحول المنصات الاجتماعية إلى ساحة احتفال افتراضية توحد المصريين حول فخر واحد: حضارتهم الخالدة.
المتحف المصري الكبير.. بوابة نحو المستقبل
وسط هذا الزخم الشعبي والإعلامي، يظل المتحف المصري الكبير هو البطل الحقيقي للحدث.
فهو ليس مجرد متحف جديد، بل مشروع وطني ضخم يُعيد تقديم الحضارة المصرية بطريقة حديثة تليق بعظمة الماضي وتستشرف المستقبل.
يضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية من مختلف العصور، ويُعد الأكبر من نوعه في العالم المخصص لحضارة واحدة.
كما يضم قاعة مخصصة للملك توت عنخ آمون، تحتوي على مجموعة مقتنياته كاملة لأول مرة منذ اكتشاف مقبرته في وادي الملوك.
التصميم المعماري للمتحف جاء مدهشًا بواجهته الزجاجية المطلة على أهرامات الجيزة، ليجسد التواصل البصري بين الماضي والحاضر.
في الختام: المصريون يكتبون فصلًا جديدًا من فخرهم
ما حدث في افتتاح المتحف المصري الكبير لم يكن مجرد احتفال رسمي، بل حالة وجدانية جامعة شارك فيها كل مصري، سواء بقدميه في الميدان، أو بإصبعه على شاشة هاتفه.
لقد أثبت المصريون أنهم قادرون على تحويل أي حدث وطني إلى لحظة فنية وإنسانية فريدة، تمتزج فيها التكنولوجيا بالفن، والذكاء الاصطناعي بالهوية، لتُعيد تقديم الحضارة المصرية للعالم بروح جديدة. إنه موكب من نوع آخر، لا تسير فيه المومياوات، بل تمشي فيه الأرواح الحية لملايين المصريين وهم يرددون في صمت: "نحن من بنينا الأهرامات.. ونحن من نحافظ على هذا المجد اليوم."

